على مدار العقد الماضي ارتبط الجيش بصورة متزايدة في عمليات انتشار وراء البحار لفترات طويلة تطلب فيها أداء المهمة أيجاد وحدة ربط كبيرة مع القطاعات السكانية المدنية. أن مثل هذا التفاعل وكيفية تأثيره على العمليات العسكرية على قدر كبير من الأهمية. وفي واقع الحال، الارتباط مع الجماهير أصبح هاما لدرجة أن نجاح المهمة يكون غالبا متأثرا بشكل كبير بقدرة الجنود على التفاعل مع السكان المحليين والمجتمعات. وتعلم التفاعل مع السكان المحليين يقدم تحديا كبيرا أمام الجنود والقادة والمدنيين.
وعمليات الانتشار الطويلة الأمد خارج الولايات المتحدة لمناطق بثقافات وعادات وتقاليد أخرى ليست بالجديدة. فقد رأى العسكريون العديد من العمليات الطويلة الأمد على تربة أجنبية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. وبالنسبة لمعظم العمليات الطويلة، يسعى الجيش بقوة ورغبة إلى غرس الوعي بالعادات والتقاليد الاجتماعية والثقافية بين القوة المنتشرة في المناطق التي تعمل فيها. وبينما ثبت نجاح هذه البرامج، إلا أنها تقف عاجزة تماماً على خلق التفاهم الملموس اللازم للضوابط المعقدة اليوم، ولاسيما عندما تكون القيم والعادات والتقاليد التي أمامهم مختلفة عن بعضها , مما تسبب التصادم.
والعمل مع الثقافات المختلفة في عنصرها الداخلي هو أمر من أمور التصرف بحكمة ودهاء ودبلوماسية وعملية التخاطب تفوق أهمية التطبيق المباشر للقوة القسرية. فالنجاح يتطلب تفهما للأنماط الفردية والمجتمعية والاجتماعية وتقييم معايريها كما هي مرتبطة بالمهام التي يقوم بها الجنود والبيئة التي تتحكم بهم. والتثقيف يكون الآني ضروري كجزء من برامج تطوير قابليات الجنود والقادة.
فأثناء حرب الخليج ، أظهرت الولايات المتحدة وعيا بالقضايا الثقافية وكيف أن لها ثمة تأثير على العمليات العسكرية. واحتمال الاحتكاك والتصادم بين الأفكار والسلوكيات والقيم والعادات والتقاليد قد أدى إلى ضبط نماذج الارتباط الثقافي. وعلى سبيل المثال الفروق الكبيرة بين الثقافة الأمريكية - العادات والتقاليد - و العادات والتقاليد الاجتماعية في المملكة العربية السعودية تسببت في إحداث فصل فعال للجنود الأمريكان عن السكان الأصليين مع أن المهام الخاصة باختلاف أو منافسة العادات والتقاليد الثقافية كانت عظيمة جدا عند التنفيذ.
ولا ريب أن الاحتكاك الثقافي هو قضية أكثر تعقيدا اليوم مما كان عليه الحال في السابق. وأثناء الحرب الباردة وجدت حركة انحياز من جانب الأمم الراغبة في ضم نفسها إما مع الشرق أو الغرب. وكان الانضمام إلى طرف أو أخر ضرورياً في عالم ثنائي القطب وتنافست فيه أيديولوجية القوى الرئيسية من خلال دول منحازة أو غير منحازة. وسعت الأمم من أجل الهوية بأن تصبح أكثر شبها للأخ الأكبر في اختيارها.
ونهاية الحرب الباردة واجهت نموذجا جديداً بخصوص الأفكار السائدة للهوية القومية. فقد شعرت الدول والأفراد والمجتمعات بحرية في إعادة الارتباط بعاداتها وتقاليدها الثقافية والاجتماعية. علاوة على ذلك بدأت القيم الأمريكية والغربية الاقتصادية والثقافية بإلقاء الظلال على المجتمعات وقيمها التقليدية أو الدينية. وهذا التنافس الأساسي للعادات والتقاليد الثقافية أدى إلى تقهقر القيم الغربية في العديد من مناطق العالم، بأن تصبح مصدرا للاحتكاك فضلاً عن وسيلة لتحقيق التفاهم المشترك.
والأهمية البارزة للهوية الثقافية واحتكاكاتها الملازمة لها تجعل من المحتم للجنود والقادة - العسكريين والمدنيين - أن يتفهموا العادات والتقاليد المجتمعية والثقافية للجماهير في البلدان التي يعملون ويؤدون وظائفهم فيها. ويتعين عليهم تقدير وفهم واحترام هذه التقاليد والعادات واستخدامها كأداة لشكل العمليات والآثار التي يتوقعوا تحقيقها.
|